اتخذت دراسة لغة النص الأدبي سبيلها إلى مجالات الدرس الكاديمي . بيد أن كثيرا من هذه الدراسات ما يزال يفتقر إلى عملية المنهج وانضباط الوسائل. ويهدف هذا الكتاب إلى أن يجنب اللسانيين كثيرا من العقبات التي تصدهم عن معالجة الأدب وفق منهج علمي منضبط , وأن يدعو دارسي الأدب إلى الإفادة من المعالجة الأسلوبية اللسانية في دراستهم. ويقيم هذا الكتاب نتائجه العلمية على فحص دقيق لعينات لغوية معتبرة من "الأيام" بأجزائه الثلاثة و"مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين , ولمادة متنوعة من الصحف العربية , ثم على استقصاء شامل لأربع من مسرحيات شوقي هي "مجنون ليلى" و "مصرع كليوباترا" و "الست هدى" و "أميرة الأندلس" ولروايتين كاملتين لمحمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ هما : "بعد الغروب" و "ميرامار". إن هذا الكتاب الذي نقدم طبعته الثالثة إلى القارئ تجسيد لمقولة نؤمن بها وهي ان الأدب فن , ولكن دراسة الأدب ينبغي أن تكون علما.

يحاول هذا الكتاب ان يجعل من مباحثه الخمسة مؤشرا إلى آفاق جديدة تنتظر اولي العزم من شباب الباحثين وجوابا على سؤالات ذات خطر لاشك انا تراود نفرا غير قليل من أهل الاختصاص وتحرك فيهم قلقا معرفيا حاد الواقع رائع المذاق واعدا بالخير وهي سؤلات على تنوعها صياغة وفحوى – يوشك أن يلخصها سؤال واحد ذو طرفين متكاملين ألا وهو كيف نستدبر القول بالانقطاع المعرفي ونولي وجهنا شطر التراث البلاغي العربي القديم ليتناسخ في جسد الثقافة النقدية المعاصرة ويستحيل فيه نماء وزكاء وعنفوانا واصلين بذلك حاضر هذه الثقافة بماضيها العظيم وكيف نكتسب القدرة على توطين العلم المستفاد من معارف العصر ونهيئ له بالادراك الواعي لما نأخذ وما ندع ما يعين على استقبال الطيب الرخاء من رياحها واستبات الصالح من بذورها حتى إذا ضمتها أرض ثقافتنا وجادتها لواقع الفكر رأينا هذه الأرض الطيبة وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج

إن هذا الكتاب – في ضوء مادته العلمية الشاملة – يُغني عن مجموعة من الكتب التي تفتقر إليها المكتبة العربية أساسا في مجال التدريب على تعلم مهارات الكتابة وفنونها بدءا من فعل الكتابة نفسه نظريا وتطبيقيا وكيف نمارسه إنجازا وأداء مرورا بالمهارات الأساسية السابقة على فعل الكتابة مثل المهارات الإملائية وعلامات الترقيم والمهارات النحوية واللغوية والأسلوبية بما في ذلك معرفة الأخطاء الإملائية واللغوية الشائعة وكذلك المهارات الجمالية بما في ذلك التدريب على تعلم قواعد خط الرقعة وانتهاء بمعرفة الفنون الكتابية الحديثة مثل فن كتابة التقارير وفن كتابة الرسائل العصرية وفن كتابة المقال وفن كتابة البحث العلمي وأخيرا فنون العرض والتلخيص في الصحف والدوريات

كتاب علمي متخصص بتتبع بالتحليل عملية التواصل اللغوي بدءا من المظهر الفيزيائي الأكوستيكي للصوت حتى مرحلة السمع والإدراك مرورا بالطور التشريحي النطقي. وتتجاوز أهمية الكتاب دائرة البحث اللساني المحدود إلى المجالات الحافة ذات الصلة بأمور السمع والكلام ليكون حلقة وصل بين اللسانيين ومهندسي الاتصال والمشتغلين بأمراض السمع والكلام وخبراء التسجيلات وتحليل البصمة الصوتية ليعين كلا منهم على فهم ظاهرة التواصل الصوتي في جميع مظاهره المتعالقة

ينتظم هذا الكتاب عددا من الدراسات والمثاقفات هي ثمرة مراجعة بصيرة لمنجزات اللسانيات العربية المعاصرة منذ ستينات القرن الماضي لإلى مطالع القرن الحادي والعشرين ويصدر هذا الكتاب عن رصد وتشخيص لما ألم بالجسد العلمي من عوارض الوهن وعقيدة راسخة بأن الحوار الأمين الذي لا يتهيب لوامع الأسماء او يستخفي بالخق أو يتقحم على قضايا الخلاف بغير علم ولا هدى هو السبيل الفرد لاستبانة المقاصد وجلاء الغوامض ومن ثم يتعرف طلاب الحقيقة واقع العلم وآفاق تطوره ويضعون به العربية وقضايا ثقافتها وخصائصها في السياق العلمي المعاصر

يتخذ هذا الكتاب مكانة في قلب الحوار والجدل العلمي حول طائفة من القضايا والمسائل المهمة في مجال النقد اللساني بالتحليل والنقد أعمالا ذات أهمية خاصة في السياق العلمي المعاصر، من بينها "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" للأستاذ محمود شاكر، وكتاب في البنية الإيقاعية للشعر العربي نحو بديل جذري لعروض التحليل" للدكتور كمال أبو ديب" وعلم الأسلوب: مبادئه وإجراءاته للدكتور صلاح فضل. وكذلك يتضمن الكتاب عددا من المثاقفات المهمة حول قضايا النقد البنيوي، والنقد اللساني، والدراسات الأسلوبية والثقافية

يتتبع الكتاب نظرية الترجمة بدءا من جذورها التقليدية وصولاً إلى ما شهدته من تكاثر وتشعب في الحقبة الأخيرة وهو تشعب استمد وقوده المحرك من اتجاهات البحث في مجالات النظرية النسوية وما بعد البنيوية ودراسات ما بعد الاستعمار. يضع إدوين غينتسلر موضع الفحص خمسا من المقاربات الجديدة هي : ورشة الترجمة وعلم الترجمة والدراسات الترجمية ونظرية النسق المتعدد والتقويضية ويستكشف مواطن القوة والضعف في كل منهج

ترجمة أمينة ودقيقة للأطروحة العلمية التي نال بها الأستاذ س موريه درجة الدكتوراه من جامعة لندن، أنجزها الأستاذ الدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور شفيع السيد. والكتاب هو أكمل دراسة صدرت حتى الآن في بابها؛ فقد أحاطت بتيارات التجديد الشعري في الشكل والمضمون بدءا من بواكير اتصال العرب بالأدب الغربي وبالشعر المقطوعي في القرن التاسع عشر، وحركة الشعر المرسل في القرن العشرين، ثم مدرسة الشعر الحر في طورها الأول المتمثل في مجمع البحور إلى طورها الثاني التي اتخذت التفعيلة وحدة أساسية للتشكيل الشعري مع عناية خاصة بفحص الاتجاهات الأيديولوجية في الشعر الحر

اللغة العربية لمعلمي المرحلة الإبتدائية

التدريب اللغوي - الكتاب الثاني في الشعر

لما كان جانب من المشكل اللساني العربي المعاصر أنه يقارب المرحلة المعاصرة مقطوعة الصلات عن مواردها ومصادرها ودون وعي كاف بتاريخ العلم ومكاننا من هذا التاريخ حاضره وغابره. ونظرا لخلاء الساحة وافتقار المكتبة العربية إلى مصنف يقوم بهذا الواجب على كثرة أمثاله وتنوعها في المكتبة الغربية فيرصد لنا رحلة الفكر مع اللغة في دقة حميدة وموضوعية أمينة ومعمار منهجي رصين واستيعاب موفق وهو إذ يفعل إنما يستهل رحلته من البداية حتى يقف القارئ عند الخريطة المعاصرة لمذاهب علماء اللسان وأنظارهم البحثية وعقائدهم العملية في معالجة الظاهرة اللسانية . لذا فإن ترجمة هذا الكتاب ونشره للقارئ العربي تتيح تأمل الذات والوعي بموقعها من مسيرة العلم واستنبات البذور في تربة الثقافة العربية على نحو يفضي إلى توطين العلم والاسهام في صياغته

موسوعة شارك في إنجازها ثلاثة وأربعون عالما من أبرز المشتغلين بالعلوم الاجتماعية و ترجمها بالاشتراك الأستاذ الدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح، اشتملت على سبع مئة وخمسين مدخلا تمثل أهم المفاهيم والمدارس والاتجاهات والأعلام في علم الاجتماع وعلم النفس والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الجريمة والقانون وغيرها من العلوم الاجتماعية، إنها حقا موسوعة لا غنى عنها لطلاب الجامعات وطلاب الدراسات العليا والباحثين الأكادميين وي شتى فروع العلوم الإنسانية

أول كتاب يقدم تأصيلا واضحا ومستوعبا لنظرية الأسلوبيات الإحصائية يشمل الأسس النظرية وإجراءات التحليل وطرق التوظيف والإستدلال كما يضم أبحاثا تطبيقية وتأسيسية على عدد من أعلام الأدب العربي : شوقي والبارودي والشابي والرافعي والعقاد وطه حسين وقد تغيث الأبحاث تحرير المقاييس الإحصائية وضبطها وإخضاعها لمقولات العربية ونماذج للاستدلال والتقويم . إنه كتاب يشكل مع سابقه ورصيفه " الأسلوب دراسة لغوية إحصائية " علامة فارقة في مسيرة الأسلوبيات العربية المعاصرة

التدريب اللغوي - - الكتاب الأول في النثر

حازم القرطاجني ونظرية الحاكاة والتخييل في الشعر

بسم الله الرحمن الرحيم! حمدًا لله وصلاةً وسلامًا على رسوله الكريم، وبعد! الموضوع المطروح؛ حين ندخل مباشرة في الموضوع، الموضوع المطروح علينا هو «مشكلة اختيار الموضوعات البحثية بين الإبداع والتقليد» ولأن الموضوع متسع فأحيد بالنسبة لي ما يمكن أن يتناوله الإنسان فقد رأيتُ أن أحصر الكلام في علم النحو بوصفه علمًا لنا جميعًا فيه حظًّا لا بأس به، وفي نفس الوقت ما سيُقال في أمر النحو ممكن أن يعمم بشكلٍ أو بآخر على مجالاتٍ معرفيَّةٍ أخرى. العنوان يتكلم على أربعة مداخل؛ الاختيار، والبحث، والتقليد، والإبداع.

الحمد لله وصلى وسلامة على سيدنا رسول الله وبعد! فلقائنا في هذه الليلة هو حول موضوع قديم جديد متجدد وهو موضوع الاستعارة: وموضوع الاستعارة كما نعلم، يقع في القلب من مباحث البلاغة سواء البلاغة العربية القديمة، أو البلاغة الجديدة، وكما نعلم أن هذا الموضوع ينحاز بقوة إلى علم البلاغة، وفي نفس الوقت إن علم البلاغة ينحاز بقوه إلى جانب العلوم الأدبية، ويبدو بادي النظر أن هذا الموضوع رقيق الصلة جدًا بالمبحث اللغوي. ومن هنا صار هذا الأشكال الذي نتكلم عنه في هذه الليلة، وهو موضوع الاستعارة بين النحو البلاغة والغرض الأساسي من هذه المحاضرة؛ إثبات أن أنه في غياب المنظور النحوي لا يمكن أن يكون للاستعارة وجود. وثبت بذلك الفكرة القائلة، بأن تواجد الاختصاصات واقع بين علوم اللغة في ذاتها وبين علوم اللغة وعلوم الأدب من جهة أخرى. ونحاول في هذا اللقاء النجلُ هذه القضية بشكل واضح إن شاء الله..

أبدأُ سريعًا بشكرٍ لمركز فصحى ولأخي الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الكَنز وأدخلُ مباشرةً في الموضوع لأن الوقت يبدو أنه قد داهمنا. هناك سؤالان بالنسبة لهذه المحاضرة؛ سؤالٌ عام وسؤالٌ خاص. أما السؤال العام فهو: هل تتساوى الأنحاء - جمع نحو - والنُظم اللغوية في اللغات المختلفة تساويًا مطلقًا؟ في تحقيق الأهداف التواصلية بين أبنائها؟ أم أن في الأمر تفصيلًا؟. والسؤال الخاص: ما موقع العربية بين اللغات من هذه الوجهة؟ وإذا انتصرنا لفكرة أن التساوي لا يكون مطلقًا، فما الدليل والبرهان العلمي الذي يُميّز لنا القول الذي يُجيز لنا القول بهذا التمايز؟ المحاضرة تتألف من أربعة محاور؛ المحور الأول رؤية المتقدمين في قضية التفاوت والتفاضل بين اللغات. والمحور الثاني رؤية المحدثين التي تعتمدها الاتجاهات اللغوية المعاصرة على اختلافها. والمحور الثالث طرح رؤية مغايرة لكلتا الرؤيتين. والمحور الرابع تحصيل لما تقدم من التفصيل.

أبدأ معكم هذه السلسلة التي ربما تكونُ في حاجةٍ إلى اهتمام وانتباه لأن ليست يعني إلى حدٍّ ما في التخصص يعني، هذه المحاضرة جعلتها تمهيدًا ووصلةً إلى الحديث في بقية المحاضرات، فهي استفتاح لأربع محاضراتٍ أخرى تنصبُّ في قضية التعالق بين اللسانيات وبين علوم المخطوط. العلاقة بين اللسانيات وعلوم المخطوط هو نوعٌ من المثاقفة المعرفية بين مجالين كلاهما خطير وكلاهما ماتع وكلاهما شائق. عنوان اللقاء في هذا اليوم هو «اللسانيات وعلوم المخطوط، استكشافٌ واستشراف»؛ استكشاف ما هو واقع، واستشرافٌ لما يمكن أو لما نحاول أن نتوصل إليه. في مرحلة الاستكشاف سنقوم بمحاولة تحديد العلاقات بين مصطلحاتٍ ثلاثة؛ المصطلح الأول هو (اللسانيات)، والمصطلح الثاني هو (الفيلولوجية) أو ما درجنا على ترجمته إلى فقه اللغة، والمصطلح الثالث هو (علوم المخطوط). سنأخذها في ثنائيات؛ يعني (اللسانيات وفقه اللغة)، (فقه اللغة وعلوم المخطوط)، ثم (اللسانيات وعلوم المخطوط) لكي يكون الطريق ممهدًا إلى معرفة بنية الكلام الذي سنتكلمُ فيه.

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وبعد! نبدأ معًا محاضرة اليوم، وقد جعلنا لها عنوانًا هو "الأسلوبية الإحصائية وتطبيقاتها". بالأمس يعني ربما ستلاحظون أن سلسلة المحاضرات يترتب بعضها على بعض، يعني جميعها يأخذ بعضه بحجز بعض، لكي نصل إلى الفكرة الأساسية التي نهدف إليها وهي أن اللسانيات ظلت مجالًا مُبعدًا عن المشاركة في تدقيق وتحرير الإجراءات التي يمكن أن تخدمنا في علم المخطوطات، ودورنا الآن أو ما نقصد إليه الآن هو كيف يمكن أن نحدد مجالات التعالق بين المجالين وكيفية استثمار المعرفة اللسانية والإجراءات التحليلية اللسانية لخدمة الباحث في علوم المخطوطات.

الحمد لله! والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، ورضي عنَّا ببركته وبركة أصحابه! لقاء اليوم أبدأ أولًا بشكرٍ واجبٍ ومستحق، لا أريد أن أجعل الشكر في طبقات، فهي الواو لا تفيد ترتيبًا ولا تعقيبًا، إنما الحقيقة أنا مدين لدار المخطوطات بوجه عام ولأخي العزيز الأستاذ الدكتور فيصل حفيان هو الذي دعا وهو الذي اتفق وهو الذي زيّن لي الحضور، والودُّ الذي بيني وبينه بهظني بخمس محاضرات في خمسة أيام متتاليات ينوء بها البعير الأعصل. لكني على أي حال يعني هو صادف هوى، والود صادف طاعة، فأنا أشكره لأن الله فعلا أجرى لي كثيرًا من النعم على يد هذا الرجل الفاضل. محاضرتنا اليوم أود بها أن أفتح يعني بابا أو مسلكا للباحثين، نحن عندما كنا نشرف على الرسائل ويأتينا الطلاب طلبا للموضوعات البحثية أجد أن الشكوى الأساسية أو المشكلة الأساسية التي تصادف أبناءنا من الباحثين؛ البحث عن موضوع للدراسة، ويضطرون إلى أن يستعيروا أو أن يستنسخوا بحوثًا صُنعت بالفعل ثم يحاولون أن يجدوا أنواع من النُسَخ والمكررات للموضوع مع إنه في يقيني أن الساحة تقريبًا أكثر من 70% منها يحتاج إلى دراسة.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه الكرام وبعد! فأبدأ بشكرٍ واجب لجمعيتكم الموقرة على هذه الاستضافة؛ أولًا لأن هذا المقام مقام كريم أعتز به جدًّا، وثانيًا لأن الموضوع الذي نجتمع له ونحاول أن نقلب جوانبه المختلفة موضوع مهم جدًّا وممتع جدًّا في الوقت نفسه. الأدب الصوفي؛ أولًا هو أدب ليس مقصورًا على اللغة العربية فهو موجود في معظم لغات البشر، وثانيا ليس مقصورا في علاقته على الإسلام بوجه خاص فهو أيضا موجود في كثير من الديانات السماوية وحتى في بعض الديانات الوضعية.

ثمة شكرٌ واجب لمجمع اللغة العربية الشبكي، ولرئيسه المبارك الأستاذ الدكتور عبد العزيز الحربي، وللأخ الكريم الدكتور عبد العزيز الطلحي على هذا التقديم الطيب، ولكل من توسم خيرًا وأهتم بأن يتصل بهذا اللقاء. وأبدأ مباشرةً في الدخول في الموضوع. موضوعنا كما رأيتم عنوانه هو "في التأريخ اللساني للغة العربية"، وأنبه إلى خطورة الموضوع، وأنبه أيضًا إلى أن الدراسات فيه والعمل فيه نادرٌ إلى حدِّ الشغف، على الرغم من أنه على هذه الدرجة من الخطورة والأهمية. وحتى الدراسات النادرة التي سيقت في هذا الباب تعاني من كثيرٍ من الخروم والخدوش؛ من عدم اتصالها اتصالًا مباشرًا بالمنهجيات السليمة التي ينبغي أن تصطنع في مثل هذه الدراسات، وأَعْجَبُ كثيرًا من صدِّ الباحثين عن هذا الباب من العلم، وأَعجب أكثر من تزاحم الباحثين على الموارد النزيحة واجتماعهم على استنساخ العناوين؛ عناوين الرسائل والأطروحات والبحوث، وعلى ترك هذه الموضوعات الثرية والمهمة، ودعك من ما شاعَ في هذا الزمان من سرقات صلعاء للأسف الشديد، على الرغم من أن الدنيا مفتوحة، دنيا البحر مفتوحة على مصاريعها.

وأبدأ في عرض ورقتي التي جعلت عنوانها "العربية وجدلية الثبات والتغير"، الثبات والتغير عاملان فاعلان متجاذبان في كل لسان، ولكلٍّ عوائده وفوائده وجدواه، فالثبات ضامنٌ للصيرورة التاريخية وضامنٌ لثبات الهوية وضامنٌ لتماسك الأمة وتجمعها حول اللسان الواحد، ولانتقال المعرفة من جيلٍ إلى جيل. ولولا هذا العنصر لكان على كل جيلٍ أن يبدأ معارفه وأن يبدأ بناء معارفه من نقطة الصفر. أما التغير فهو سُنة راتبة في جميع الألسنة؛ لأن اللسان إنما يواكب ويستشرف ويستبق في كثير من الأحيان حركة الجماعة المتكلمة به. ومن هنا لا بد من مراعاة هذين العاملين. العربية لها ماض عريق وحاضر يمكن أن نقول إلى حد ما يُكابد بعض الأزمات ومستقبل نودُّ أن نتطلع إليه، ونستشرفه ونعد أنفسنا له.

ففي أواخر الثمانينيات كلفتني المنظمة العربية للترجمة بمراجعة كتاب اسمه بالإنجليزية (The violence Language - عنف اللغة)، وقد نقله إلى العربية لسانيٌّ لبنانيٌّ مشهور الأخ الأستاذ الدكتور محمد بدوي. وقد راجعت الكتابة بمحبة وكانت المراجعة فرصة بالنسبة لي، كانت سانحة طيبة جدًّا لكي أحاول أن أعيش مع أفكار هذا الكتاب. الكتاب كتبه أستاذٌ فرنسي هو جان جاك لو سيركل، وهو أستاذ للأدب الإنجليزي في جامعة باريس، وقمت بحمد الله بواجب المراجعة وتكرموا عليَّ في المنظمة بكتاب شكر للمجهود الذي بُذِلَ في المراجعة، خرج الكتاب عام ألف وتسعمائة وتسعين 1990 وإلى حد ما يعني لم أجد له صدىً يستحق أو يوازي أهمية هذا الكتاب؛ لأن الكتاب فعلًا يعني كان له تأثيرهُ على عددٍ من الأفكار وعدد من التصورات التي اهتمُّ بها وأدمن القراءة حولها وأحاول أن أوصّل ما أمكن، أحاول أن أوصل ما أفادته منها إلى الآخرين. يمتاز الأستاذ المؤلف جان جاك لو سيركل بأنه لساني مشاكس، فهو يسير في الاتجاه المعاكس لكثيرٍ من الاتجاهات اللسانية. وعنوان الكتاب كما طلب لي (The violence Language)، وترجم إلى (عنف اللغة) الترجمة العربية، وهو من إصدارات المنظمة العربية للترجمة. فالأستاذ جان جاك لو سيركل كما ذكرت أستاذٌ مشاكس يسير في الاتجاه المعاكس لكثيرٍ من الاتجاهات اللسانية المعاصرة، ويحاول أن يقدم وجهة نظر مختلفة في أمور كثيرة. وقد صادف الكتاب ارتياحًا في نفسي وخاصةً بالطرح الذي طرحه جان جاك لو سيركل ويدور الطرح. سأقدم يعني المعالم الأساسية للكتاب، ثم أعرج على اللغة العربية وما يمكن للغة العربية أن تفيد والباحثون فيها أن يفيدوا من هذا الطرح.